مقالات

النائب أحمد البرلسي يكتب: ثورة 23 يوليو بين خندقي الاستعمار والوطن

بقلم النائب أحمد بلال البرلسي: لم تكن ثورة 23 يوليو مجرد خلاف بين حزبين سياسيين وإنما بين نظامين سياسيين كلاهما على النقيض، نظام يؤمن بالملكية التي استعبدت الشعب وأذلت الأمة المصرية العريقة مهما حاول البعض اجتزاء بعض الصور والمعلومات والتغني بها كذبًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ونظام يؤمن بالجمهورية وأن أبناء الشعب المصري بات من حقهم حصرًا حكم بلدهم، دون ولي عهد من أسرة أجنبية، كل مقوماته أنه ابن أسرة ملكية، وأن أبيه هو الملك!.

ليست بالثورة العصماء، وإن كنت أراها ثورة الأمة المصرية، فهي الثورة التي أعادت المصريين لحكم وطنهم بعد 2500 عام تقريبًا من حكم الأجانب والمستعمرين ومن والاهم. للمرة الأولى يعود للشعب المصري سيادته على أرضه ووطنه، ويعود للأمة المصرية شعورها القومي، ورغم التوجه العروبي لنظام الرئيس عبد الناصر، إلا أن التوجه لا يلغي الشخصية.. عادت مصر للمصريين وتوجهت نحو محيطها العربي، ولم تذب في أي ثقافة بل ذاب المحيطين بها في ثقافتها.

ثورة 23 يوليو ورد الاعتبار للمناضلين الوطنيين المصريين

بسبب موقعها المتميز، عرفت مصر كل أنواع الاحتلال في العالم القديم والحديث، هكسوس وفرس ورومان ويونان وعرب وإنجليز وفرنسيين وصهاينة احتلوا جزءًا من أراضيها وعادت بالدماء. وفي فترات طويلة من هذه الاحتلالات ثار المصريون ثورات لاستعادة وطنهم من المستعمرين، كثورة البشموريين وغيرها، إلا أن كل هذه الثورات طُمست وإذا ذكرت حتى في مناهج التعليم الرسمية كان اسمها تمردًا، ما منح للمستعمر، حتى في مناهج التعليم الرسمية، حق سحق هذه الثورات باعتبارها تمرد!.

حتى ثورة الزعيم أحمد عرابي، تم تسويقها بهذه الصورة، لدرجة أن أحد المواطنين بصق في وجه الزعيم البطل بعد عودته من منفاه وبعد غسيل المخ الذي تمت ممارسته للشعب المصري، باعتباره سببًا في احتلال مصر. إلا أن ثورة 23 يوليو، الثورة التي أعادت المصريين لحكم وطنهم مرة أخرى بعد 2500 عام، أعادت للرجل اعتباره مرة أخرى.

لم يفت الزعيم جمال عبد الناصر رد الاعتبار للزعيم أحمد عرابي، باعتباره زعيم مصري ثار من أجل تحرير الوطن المصري بعد كل هذه القرون من الاحتلال، ووقع الرجل اتفاقية الجلاء تحت صورة أحمد عرابي، وكأنه يعلن أنه أحد العرابيين، وأنه امتداد للحركة الوطنية المصرية.

ثورة 23 يوليو واستعادة مصر للمصريين

لم تكن ثورة 23 يوليو ثورة أيديولوجية، ولمن قرأ تاريخها جيدًا يعرف ما أقول. كانت ثورة تحرر وطني، ثورة قومية لاستعادة مصر للمصريين بعد 2500 عام من اغتراب الشعب في وطنه، ثورة على النظام الملكي المنحاز لأصحاب السعادة والسمو والمنبطح للاستعمار، لنظام جمهوري منحاز للفقراء والبسطاء والطبقة الوسطى ومعادي للاستعمار بكل شراسة.

صحيح أن النظام الذي نشأ بعد الثورة تبنى أفكارًا عظيمة، نجح في كثير منها وأخفق في بعضها، ولمن يعشقون جلد الذات أقول إنه يتحمل مسؤولية احتلال سيناء، وهذا ليس كلامي، وإنما كلام رجل شجاع اسمه جمال عبد الناصر، اعترف بالهزيمة وتحمل مسؤوليتها. لكنني أقول أيضًا إنه النظام الذي راجع أخطائه وأعاد بناء جيش العبور ووضع خطة الانتصار، وأقول كذلك إنه النظام الذي انتهى في سبتمبر 1970، وما تلاه لا ينتمي إليه لمن يقرأ التاريخ والسياسة والاقتصاد وحتى علم الاجتماع جيدًا.

ليست ثورة 23 يوليو رؤية أيديولوجية كي نقيمها بانحياز أيديولوجي، وإنما ثورة مصرية، أعادت مصر دولة مصرية بعد عشرات القرون، بعد أن كانت ولاية وإمارة تابعة لدول وخلافات وشبه دولة تحت الاحتلال والحماية. فلم يكن الحلاق اليوناني سوى ابن جالية مستعمرة، ولا البقال الإيطالي سوى ابن جالية مستعمرة، ولا صاحب البار البريطاني سوى ابن دولة مستعمرة، وغيرهم وغيرهم.. كلهم مستعمرون تتم حمايتهم بقوة الاستعمار لا بقوة العدل والحرية ولا حتى الإخاء كما أعلنت الثورة الفرنسية. كلهم مستعمرون لم يتركوا لأبناء البلد شيء، والفيصل في الأمر قوى السلاح ولو أرادوا إظهار نوعًا من العدالة فكانت قوة المحاكم المختلطة التي كانت منحازة بحكم تكوينها وسلطتها للاستعمار لا للمصريين.

ثورة الجمهوريون ضد الملكيين

ثورة 23 يوليو هي ثورة المصريين ضد الاستعمار، ثورة الجمهوريون ضد الملكيين، ثورة ولاد البلد ضد الأجانب والمحتلين، أصابت وأخطأت، نجحت وأخفقت، إلا أن كل هذه التناقضات لا تنال من الثورة، فالثورة خندق من خندقين، المصريون ضد الاستعمار، الجمهوريون ضد الملكيين، ولاد البلد ضد الأجانب. هذه هي ثورة 23 يوليو لمن أراد أن يرى ومن أراد أن يختار خندقه.

من حق أي مصري أن يختلف مع نظام يوليو بانحيازاته لا مع قيام الحركة نفسها، وأقول انحيازاته لأنها المعيار، فالأمر ليس متعلق بالحلاق ابن الجالية المستعمرة، ولا بشوارع أي حي راق يتم تسويقها أنه كانت أجمل من باريس لكنها لم تكن أجمل من سوق اللبن في المحلة ولا أجمل من بركة السبع ولا قوص ولا الشيخ زويد ولا بني سويف ولا دكرنس ولا غيرهم من مدن مصر. الأمر متعلق بمصر والمصريين وهويتهم وحضارتهم وأمتهم.. الأمر أكبر بكثير مما يسوقون، فإما الأمة الوطنية أو الشعب التابع لأمة أخرى، وإما الاستقلال أو الاستعمار، وإما الشعب أو اللصوص، وإما الجمهورية أو الملكية.. هذه هي الخنادق فاختاروا ما تشاؤون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى