مقالات

الحشاشين… 30 حلقة من الدراما التاريخية تحاكي واقعا سياسيا

مصطفى الطبجي، باحث تاريخ سياسي

مع بداية شهر رمضان المبارك لعام 2024، بدأ عرض مسلسل الحشاشين (أباطيل وأبطال… من وحي التاريخ)، بطولة كريم عبد العزيز، تأليف عبد الرحيم كمال، إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وإخراج بيتر ميمي، الذي يتناول في أحداثه مسيرة الحسن ابن الصباح قائد ومؤسس طائفة الحشاشين، أحد أشهر الطوائف الباطنية أو التنظيمات الإرهابية على مر التاريخ.

الحشاشين
الحشاشين

ولقد جذب المسلسل منذ عرض حلقته الأولى اهتمام المشاهدين، مثيرا حالة من الجدل ما بين القبول والرفض حتى قبل ظهور أية ملامح درامية أو أحداث تاريخية أو إسقاطات سياسية أو نصائح اجتماعية، وذلك بسبب اعتماد المسلسل في حواره على اللهجة العامية المصرية بديلا عن اللغة العربية الفصحى، وهو جدل وإن بدا غير ذي قيمة إلا أنه كاشف لحجم الفجوة الفنية والتاريخية والثقافية لدى عدد كبير من المشاهدين أو المتابعين، ويوضح أهمية القراءة المقدمة لسيادتكم هنا.

بالنسبة للفجوة الفنية فلقد تمثلت في أن “الحشاشين” ليس أول عمل تاريخي يقدم للجمهور باللهجة العامية، بل سبقته أعمال فنية مصرية أخرى مثل فيلم “وا إسلاماه” الذي عرض عام 1961، مسلسل “على باب زويلة” الذي عرض عام 1976، مسلسل “الزيني بركات” الذي عرض عام 1995، والمسلسل السوري “ياسمين عتيق” الذي عرض عام 2013، بل إن المسلسلات التاريخية التركية والتي تشهد متابعة واهتمام عربي، تقدم باللغة التركية الحديثة وتدبلج باللهجة العامية السورية وليس بالعربية الفصحى!!

أما الفجوة التاريخية فلها سببان، الأول الأسلوب الخاطئ الذي يتم به تدريس التاريخ، والثاني الأعمال الفنية التاريخية السابقة، اللذان رسخا في الوجدان أن كل ما هو قديم لابد وأنه ناطق بالعربية الفصحى، وهذا غير صحيح، أحداث مسلسل الحشاشين أغلبها في عهد دولة السلاجقة العظام، واللغة الفارسية كانت هي السائدة في ذاك المكان والزمان وليست العربية الفصحى، أيضا في عهد الدولة الفاطمية استخدم أغلب المصريين اللغة القبطية فيما بينهم، وحتى بعد انتشار اللغة العربية، ظهرت كمزيج يجمع العربية بالقبطية، لتخرج للنور اللهجة العامية المصرية.

وأخيرا الفجوة الثقافية المتمثلة في عدم معرفة عدد كبير من المشاهدين بهذه الطائفة ولا تاريخ نشأتها ولا تأثيرها على الحياة السياسية سواء في الدولة السلجوقية أو العباسية أو الأيوبية، وعدم الانتباه لأهمية العمل الفني والفكر المتطرف الذي يناقشه، والتوقف عند مشكلة ثانوية (إن جاز التعبير) متعلقة باللغة المستخدمة في الحوار الدرامي، أو المبرر الدرامي وراء تقديم طائفة شيعية المذهب.

كل ما سبق مقدمة ضرورية لتوضيح الدافع وراء كتابة تلك القراءة التاريخية والسياسية لمسلسل الحشاشين، وهي قراءة مجمعة توثق ما تم التنويه عنه في وقت سابق بعد عرض كل حلقة من حلقات المسلسل، لنضع أمام القارئ التصور الكامل لذلك العمل الدرامي الرائع والرسالة التي يقدمها والقضية التي يناقشها، والذي يعيد الدراما المصرية إلى مسارها الصحيح.

القراءة التاريخية

أعلم تماما الفرق بين العمل الدرامي والعمل الوثائقي، فالعمل الدرامي كمسلسل الحشاشين حتى وإن كان يتناول حقبة تاريخية ما، إلا أنه من حق المؤلف تغيير بعض الأحداث التاريخية، إضافة أو حذف بعض الشخصيات، بما يخدم الخط الدرامي للعمل الفني، على عكس العمل الوثائقي الذي يوثق الأحداث التاريخية دون تغيير أو تحريف أو تعديل.

لذا فإن القراءة التاريخية الكاشفة للأخطاء التاريخية في المسلسل لا يقصد منها التقليل من قيمة العمل الفني، ولا يقصد منها التقليل من المجهود المبذول في الكتابة، فلقد ذكرتها سابقا وأعيدها مرة أخرى، المسلسل يعيد الدراما المصرية إلى المسار الصحيح، لكن الإشارة للأخطاء التاريخية في المسلسل يهدف إلى تلافي الآثار السلبية الناتجة عن خلط الدراما بالتاريخ، حيث يتعامل المشاهد مع المسلسلات التاريخية باعتبارها توثيقا دقيقا للتاريخ، وبناء عليه تترسخ لديه معلومات تاريخية خاطئة، كما حدث في فيلم “الناصر صلاح الدين”.

في عام 1963 عرض فيلم الناصر صلاح الدين، وكأي عمل درامي لم يلتزم بالأحداث التاريخية أو الشخصيات التاريخية التزاما تاما، وذلك لخدمة الخط الدرامي، والنتيجة المباشرة لهذا الفيلم الرائع أن غالبية المشاهدين تشكلت لديهم قناعة مغلوطة أن عيسى العوام شخصية مسيحية، وتشكلت لديهم قناعة مزيفة أن والي عكا خان صلاح الدين الأيوبي مع أن الثابت تاريخيا أن والي عكا بهاء الدين قراقوش، كان من أخلص رجال صلاح الدين الأيوبي.

ونرصد هنا بعض الأخطاء التاريخية الواردة في المسلسل لخدمة الخط الدرامي، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

الحلقة الأولى

في الحلقة التقى الحسن ابن الصباح مع رسول ملك فرنسا في قلعة ألموت، على الرغم من أن ملك فرنسا لويس التاسع، هو أول ملوك فرنسا تواصلا مع الحشاشين، إلا أنه تواصل مع الحشاشين في الشام وليس في بلاد فارس، لبعد الموقع الجغرافي لقلعة ألموت عن هجمات الحملات الصليبية، وذلك عام 1250 عن طريق الراهب إيف البريتوني، أي بعد وفاة حسن ابن الصباح بأكثر من قرن من الزمان، وهو ما ورد في كتاب “الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام”.

كذلك في الحلقة الأولى ظهر الحسن ابن الصباح وعمر الخيام وأبو علي الطوسي (نظام الملك) وكأنهم أصدقاء منذ الطفولة، وهذه رواية مغلوطة، كون نظام الملك ولد قبل حسن الصباح بـ 18 عام، والصباح ولد قبل عمر الخيام بـ 11 عام، وهو ما تم تفنيده بشكل دقيق في كتاب “حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي”، وبالمناسبة هذا لا يتعارض مع مساعدة نظام الملك لكلا منهما، إلا أنه ليس لكون الثلاثة أصدقاء منذ الطفولة، لكنهم تعارفوا فيما بعد.

الحلقة الثانية

وصل الحسن ابن الصباح إلى مصر عام 1078، وظهرت آثار الشدة المستنصرية في أحداث الحلقة، ورغم كونها حقيقة تاريخية إلا أن مخرج المسلسل أفاد على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي أن الشدة كانت قبل زيارة الصباح لمصر بفترة ليست بالبعيدة، لكنه الخط الدرامي الذي استدعى إظهار المجاعة وقت تواجد الصباح في مصر.

الشدة المستنصرية
الشدة المستنصرية

الخطأ التاريخي في تصريح بيتر ميمي أنه يتم اقتصار الشدة المستنصرية على فترة جفاف النيل التي امتدت 7 سنوات، بدء من عام 1064 وحتى عام 1071، حيث يتم إغفال الآثار المترتبة على الجفاف والجوع اللذان استمرا 7 سنوات، وهو ما يعني استمرار أعراض الشدة لسنوات عدة رغم عودة الفيضان بشكل متقطع عام 1071، وتمثلت الأعراض في جفاف الأراضي وبورانها بالإضافة لهجرة الكثير من الفلاحين من القرى للمدن وترك الزراعة، وكذلك انهيار المنظومة الأمنية والتجارية.

وما يثبت وجهة نظري تلك؛ الإجماع في كل كتب التراث على أن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله استدعى الأمير بدر الدين الجمالي من الشام كي يساعده في إنقاذ دولة الخلافة من الشدة المستنصرية والقضاء على الفتنة التي تسبب بها الجنود الأتراك والسودانيين، في حين أن الجمالي لم يصل مصر إلا في عام 1074.

الحلقة الثالثة

أظهرت الحلقة وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله قبل وزيره أمير الجيوش بدر الدين الجمالي، على الرغم من أن يوسف بن تغري في كتابه “النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة”، يؤكد عكس ذلك، فلقد توفي أولا الوزير بدر الدين الجمالي في 21 يونيو 1094، ومن بعده توفي الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في 29 ديسمبر 1094، وهو ليس المصدر الوحيد بالمناسبة، فلقد ذكر في كتاب “الإسماعيلية تاريخ وعقائد” أن الوزير الأفضل شاهنشاه هو من بادر بإجلاس الابن الأصغر للخليفة المستنصر على عرش البلاد.

كذلك أظهرت الحلقة تواجد الحسن ابن الصباح في مصر أثناء وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، على الرغم من أن الصباح ترك مصر عائدا إلى أصفهان عاصمة الدولة السلجوقية عام 1081 أي قبل وفاة كلا من بدر الدين الجمالي والمستنصر بالله بـ 13 عام، بل إنه استولى على قلعة ألموت عام 1090 أي قبل وفاة كلا منهما بـ 4 سنوات، كما ورد في كتاب “الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام”.

الحلقة السابعة

شهدت هروب الحسن ابن الصباح من السجن بمساعدة برزك أميد، بالفعل برزك أميد شخصية حقيقية سيتولى قيادة طائفة الحشاشين بعد وفاة ابن الصباح، لكن الوزير نظام الملك لم يقم بسجن ابن الصباح لعدم وجود مؤامرة لاغتيال الخليفة العباسي المقتدي بالله، ذلك كون الخليفة لم يزر مدينة أصفهان عاصمة الدولة السلجوقية من الأساس، كما ورد في كتاب “دولة السلاجقة وبروز المشروع الإسلامي”.

الحلقة الثانية عشر

تم إطلاق لقب “شيخ الجبل” على الحسن ابن الصباح، وهو لقب عربي على الرغم من أن اللغة الفارسية كانت هي السائدة بين أهالي المنطقة الواقع بها قلعة ألموت (شمال إيران حاليا)، لذا فإن الأدق والأصح أن الحسن ابن الصباح كان يطلق عليه لقب “بيير” أو “ألودين”، أما لقب “ِشيخ الجبل” فكان يستخدم مع طائفة الحشاشين المتواجدة في الشام.

الحلقة الخامسة عشر

سافر الإمام أبي حامد الغزالي من أصفهان لأداء فريضة الحج، الخطأ هنا أن الغزالي لم يكن مقيما في أصفهان، بل أقام في بغداد مدرسا في المدارس النظامية كما ذكر ابن كثير في كتاب “البداية والنهاية”، كما أن أول كتاب للغزالي يواجه به الفكر الباطني اسمه “فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية”، وهو الكتاب الذي جاء بطلب من الخليفة العباسي المستظهر بالله بعد عام 1094، (ومن هنا جاء اسم الكتاب فضائل المستظهرية) أي أن الغزالي بدأ مواجهة الفكر الباطني بعد عامين من وفاة السلطان السلجوقي ملكشاه والوزير نظام الملك.

نضال الشافعي في دور أبي حامد الغزالي
نضال الشافعي في دور أبي حامد الغزالي

أما الحلقة السادسة والعشرون فلقد أظهرت عودة أبي حامد الغزالي من القدس لمدينة أصفهان، وهو أيضا المخالف للحقائق التاريخية التي أوردها الغزالي في كتابه “المنفذ من الضلال”، حيث عاد من القدس على بغداد ومنها إلى نيسابور، لكن الوزير فخر الدولة طلب منه العودة إلى بغداد للتدريس في المدارس النظامية، وبعد اغتيال الوزير رحل الغزالي إلى مدينة طوس مسقط رأسه.

الحلقة السادسة عشر

توضح زيارة الشاعر عمر الخيام لقلعة ألموت، وهي زيارة غير مثبتة تاريخيا، بل إنه بعد وفاة الوزير نظام الملك والسلطان ملكشاه عام 1092 توجه عمر الخيام لمدينة مكة لأداء فريضة الحج كي يدفع عنه نفسه تهمة الإلحاد، بعدها عاد لمدينة المرو وأقام هناك لفترة، ومنها طلب العودة لمدينة نيسابور مسقط رأسه، وظل بها منعزلا إلى أن توفي عن عمر 80 عاما، وهو ما أوضحه مهدي رضوي أستاذ الدراسات الأسيوية في كتاب “نبيذ الحكمة، حياة وشعر وفلسفة عمر الخيام”.

الحلقة السابعة عشر

خبر وفاة الوزير بدر الدين الجمالي، على الرغم من أن أحداث الحلقة في الفترة ما بين عامي 1101 و1104، خاصة بعد الهجوم الذي قاده السلطان بركياروق على قلعة كوهستان في نهاية الحلقة الثالثة عشر، وأمير الجيوش بدر الدين الجمالي كما أوضحنا سابقا توفي عام 1094، كما ذكر في كتاب “حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي”.

الحلقة الثامنة عشر

شهدت حصار السلطان بركياروق لقلعة ألموت، رغم أن السلطان شن عدة حملات بالفعل على الحشاشين إلا أنها جميعا كانت موجهة لقلعة كوهستان وقلعة طيس، وبعد وفاته عام 1105 وتولي أخيه السلطان محمد تابار قيادة الدولة السلجوقية، هو من شن عدة حملات على قلعة ألموت، وهو ما ورد في كتاب “حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي”.

الحلقة الحادية والعشرون

أوضحت قيام الحشاشين بقتل أحد قادة الحملة الصليبية بعدما رفضوا دفع الجزية، وهو كما أوضحنا سابقا لم يكن هناك تواصل بين قادة الجيوش الأوروبية وقلعة ألموت لبعد الموقع الجغرافي، بل تواصلوا مع شيخ الجبل في الشام، وأول من تم قتله من الصليبيين على يد الحشاشين هو الكونت ريموند الثاني، عام 1192 أي بعد وفاة الحسن ابن الصباح.

الحلقة الثانية والعشرون

أوضحت الحلقة سعي السلطان بركياروق لتنفيذ هجوم على قلعة تابعة للحشاشين قريبة من مدينة أصفهان، وفي الحلقة اتضح أن قلعة كردكوه هي القلعة المعنية، على الرغم من أن القلعة تبعد عن مدينة أصفهان حوالي 700 كيلومتر، في الوقت الذي توجد به قلعة أخرى تابعة للحشاشين قريبة بالفعل من العاصمة، وهي قلعة شاه ديز التي استولى عليها أحمد ابن عطاش عام 1100.

الخطأ الثاني متعلق بالتوقيت، فالهجوم على قلعة شاه ديز تم عام 1107 أي بعد وفاة السلطان بركياروق بعامين، ومن أمر بالهجوم السلطان السلجوقي محمد تابار، حيث جمع الأمراء وأسكن الجيش على جبل مقابل للقلعة، وفي كل يوم كان يطلب من أحد الأمراء الهجوم على القلعة، وهو الحصار الذي شهد خدعة ابن عطاش المتعلقة بالمناظرة الدينية.

أيضا أظهرت أحداث المسلسل في الحلقات السابقة أن ابن الصباح بعدما اعتنق مذهب الطائفة الشيعية الاسماعيلية توجه إلى مصر، وبعد خلافه مع الوزير بدر الدين الجمالي وسجنه، عاد إلى أصفهان كي يعمل في بلاط السلطان ملكشاه، وبعد خيانته للوزير والسلطان هرب وبدأ بالبحث عن موقع آمن لنشر دعوته، كي يستولي بعدها على قلعة ألموت.

إلا أن التاريخ يخبرنا بتسلسل مغاير، ابن الصباح بعدما اعتنق مذهب الطائفة الشيعية الاسماعيلية توجه إلى مدينة أصفهان كي يعمل في بلاط السلطان ملكشاه، وبعد خيانته للوزير والسلطان هرب إلى مصر، وبعد خلافه مع الوزير بدر الدين الجمالي وسجنه، عاد إلى أصفهان كي ينشر دعوته، إلا أن الوزير نظام الملك ضاق ذرعا بدعوات وتحركات ابن الصباح وحاول القبض عليه، هنا بدأت عملية ابن الصباح للبحث عن موقع آمن لنشر دعوته، كي يستولي بعدها على قلعة ألموت.

كذلك الحلقات السابقة جميعا أظهرت برزك أميد مقيما في قلعة ألموت بجوار حسن الصباح، وهو المخالف للواقع التاريخي، فلقد استولى الحسن ابن الصباح على قلعة ألموت عام 1090، وفي عام 1096 أرسل برزك أميد للاستيلاء على قلعة لمسار، ونجح برزك في الاستيلاء على القلعة وظل قائدة لها طوال 20 عاما.

القراءة السياسية

مع الوصول لنهاية أحداث المسلسل اختفى الخلاف الذي أشرنا له في القراءة التاريخية المتعلق باستخدام اللهجة العامية في الحوار بدلا من العربية الفصحى، وظهر على استحياء بدلا منه جدالا آخر… تعاطف بعض المشاهدين مع الحسن ابن الصباح بدلا من رفض شخصيته الدموية.

إن التعاطف مع شخصية الصباح قد يخلق له مبرر درامي في الحلقات الأولى من المسلسل، حيث لم تظهر بعد الشخصية الدموية الحقيقية والأفكار الإرهابية لابن الصباح، إلا أنه مع تتالي الأحداث، خاصة أوامره بقتل ابنه وصاحبه وزوجته ورفيق رحلته وفتيات حلم الجنة، أوضحت جميعها حقيقة التستر خلف شعارات الدين من أجل تحقيق أهداف شخصية ونوايا سياسية خالصة، لا علاقة لها بصحيح الدين أو بتطبيق العدل على أي من يكن.

هذا التعاطف غير المبرر مع شخص الصباح هو ما يدفعنا دفعا لتوضيح الإسقاطات السياسية أو القضايا والمواقف التي تناولها المسلسل، فالحشاشين وإن بدا كمسلسل درامي تاريخي شيق يعرّف المشاهدين بطائفة باطنية رسخت لمفهوم الحركات والتنظيمات الإرهابية، ملأت العالم الإسلامي رعبا في القرن الحادي عشر، إلا أنه لم يخلو من إلقاء الضوء على قضايا سياسية معاصرة، عانى منها الشعب المصري بمختلف طبقاته.

“مفيش هيبة لقصر والشعب جعان”

جملة قالها أمير الجيوش بدر الدين الجمالي في الحلقة الثانية من المسلسل، لن تقوم الدولة (أي دولة) إذا لم يجد مواطنيها قوت يومهم، البطون الفارغة تلغي العقول، والعقول الملغاة يضيع عنها الانتماء، وفقدان الانتماء خطر على استقرار الدولة ووحدتها، جملة من خمس كلمات بمثابة رسالة واضحة عن أهمية الملف الاقتصادي لبقاء الدولة راسخة وقوية.

أهمية الملف الاقتصادي وتحقيق الرخاء المادي للمواطنين تكرر التنويه عنها في الحلقة الرابعة عندما وجه الصباح تعليماته لتابعيه “الفقير المظلوم اللي قاعد في بيته هو ده اللي تروح له وتخبط على بابه”، كونه من السهل إقناع الفقير بأية أفكار جديدة لأنه بطبيعة الحال يشعر بالمظلومية والتهميش، مهيأ تماما لقبول الانخراط في أي تنظيم يحقق له العدالة المرجوة حتى وإن كانت وهمية.

وليس ببعيد عنا منهج “الزيت والسكر” الذي اتبعته جماعة الإخوان المسلمين من خلال الجمعيات الخيرية المختلفة، لجذب المواطنين لها وشحذ أفكارهم كي يتحولوا لمؤيدين تابعين لبطونهم الجائعة أمام صناديق الانتخاب، سواء النقابات أو البرلمان أو والرئاسة بعد ثورة 25 يناير، وهي الأداة نفسها للأسف التي تتبعها أحزاب الأغلبية حاليا، من استغلال لحاجة البسطاء وشحنهم إلى صناديق الانتخاب أو الاستفتاء مقابل “كرتونة” سلع غذائية.

نفس الأمر تكرر في الحلقة الثامنة مع مقولة المرأة ساكنة القرية “هما فين الخليفة والسلطان إحنا بنسمع عنهم بس”، فلم ينجح الحسن ابن الصباح في نشر دعوته بمنطقة الديلم شمال إيران لأنه يملك الحق أو لأنه صاحب دعوة سليمة، بل لأنه اختار منطقة سكانها لديهم قبول مبدأي للفكرة، المرأة ساكنة القرية مستاءة من غياب الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي عنهم، مستاءة من غياب السلطة، أي أنها نموذج مثالي يعاني من المظلومية ويمكن استقطابه بسهولة.

“العلماء كدابين ومش هما أصحاب الحجة”

إدعاء ادعاه الحسن ابن الصباح في الحلقة الرابعة من المسلسل، وهو بمثابة المفتاح أو الطريقة التي تعتمد عليها الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب، نفي كل ما يقوله العلم باعتباره بدعة، رفض كل الموروثات الثقافية باعتبارها ضلال، هدم كل الآثار التاريخية باعتبارها أصنام وثنية، فلا ننسى قيام جماعة الإخوان بسرقة وتحطيم الآثار في متحف ملوي بمحافظة المنيا عام 2014، ومحاولة تدمير متحف العريش في نفس العام، وتحويل جامعة أون الأثرية إلى سوق للأغنام في أبريل 2013.

وخارج مصر لم يختلف الأمر كثيرا، فلقد هدمت داعش سوق حلب القديم في سوريا، أحد أقدم الأسواق في العالم، وكذلك حصن مدينة حمص، وقلعة صلاح الدين ومدينة تدمر الرومانية اللذان شهدا تدميرا كاملا، وفي العراق قادت داعش حملة تدمير ممنهجة ضد المباني الأثرية، مثل جامع وضريح الشيخ فتحي، وتمثالي الشاعر أبي تمام، وغيرها من المعالم الأثرية المختلفة.

وإذا اتبعنا الفكرة المنادية بأن كافة التنظيمات الإرهابية ليست إلا أسلحة في يد كيان آخر أو دولة أخرى، فإن السعي الدائم لهدم وإخفاء كافة الآثار التاريخية في المنطقة العربية معناه أن هناك من يريد تغيير التاريخ القديم، إخفاءه من أرض الواقع ومن الكتب أيضا، لا يراد للأجيال القادمة معرفة أن هاهنا ولدت حضارة عريقة سبقت العالم الغربي بآلاف السنين.

“السلجوقي والعباسي مايفرقش كتير عن الصليبي والزرادشتي… كلهم كفرة”

هذا باختصار ما تؤمن به كافة التنظيمات الإرهابية، هي ترى نفسها الطائفة الوحيدة المؤمنة المسلمة والباقي كفرة، والكافر في معتقدهم مهدر دمه وتسبى نسائه، بل إن التنظيمات الإرهابية في أوقات ما تكفر بعضها البعض، وكأن كل واحد منها يملك حقا مفتاح الجنة وصك الغفران، كما سبق وأوضح تقرير “الصراع بين التنظيمات التكفيرية… الملامح – الأسباب – التداعيات” الصادر عن دار الإفتاء المصرية، حيث تبادل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة اتهامات التكفير.

زيد ابن سيحون في جملته هذه لخص المشهد باختصار بارع، فلقد ساوى بين السلجوقي المسلم السنى تركي العرق والعباسي المسلم السني عربي العرق والصليبي المسيحي أوروبي العرق والزرادشتي الوثني فارسي العرق، في نظره جميعهم كفرة.

في السنوات الأخيرة عاصرنا تنظيم بيت المقدس في سيناء يكفر القوات المسلحة المصرية ويلقبهم بالطواغيت، جماعة التكفير والهجرة في التسعينات كفرت المجتمع المصري بأكمله، سيد قطب منظّر جماعة الإخوان المسلمين في كتابه “معالم في الطريق” كفر المجتمعات الإسلامية، وزعم أن إسلامهم غير صحيح، وحرض في نفس الكتاب جماعة الإخوان المسلمين على تقويض المجتمعات الجاهلة وهدمها ليقيموا على أنقاضها المجتمع الإسلامي من وجهة نظره الذي يتألف من الإخوان فقط.

أخطر واحد على المجتمع هو نصف الجاهل”

في الحلقة الخامسة حذر الشيخ أبي حامد الغزالي من نصف الجاهل، فالجاهل يعلم أنه لا يعلم بالتالي لا خطر منه على المجتمع، أما نصف الجاهل الذي يظن أنه يعلم، الذي يردد أفكارا أمليت عليه دون تفكرها وتدبرها، الذي يوهم الآخرين بامتلاكه الحجة والبرهان، هو في الحقيقة سلاح في يد الضلال، أداة يحركها آخرون يهدفون هدم المجتمع وسلخه عن أفكاره وتراثه وعاداته وتقاليده ومعتقداته، وهو ما عاد وحذر منه في الحلقة العاشرة حينما قال “فكرة واحدة باطلة أخطر من ألف طاعون”، والتي تكشف ببساطة خطورة الشائعات على أمن المجتمع ووجود الدولة واستقرار شأنها.

نصف الجاهل حتى يتمكن من نشر جهله، يجب عليه التخلص من العلماء المتواجدين على الساحة، أو التخلص من المؤسسات الدينية ذات الثقل التي يمكنها دحض أفكاره وفضح جهله أمام الجميع، وهو ما وضح في مقولة الحسن ابن الصباح في الحلقة الرابعة والعشرون… “الغزالي سخر علمه لخدمة أهل الضلال”، ولهذا حاول اغتياله.

الصراع المستمر بين جماعة الإخوان المسلمين ومشيخة الأزهر، مثال كاشف فاضح للتخلص من المؤسسات الدينية، بدء من عام 2006 عندما نظمت الجماعة عرضا عسكريا داخل جامعة الأزهر، مرورا برفض الرئيس الأسبق محمد مرسي مصافحة شيخ الأزهر أحمد الطيب، في حفل القوات المسلحة لتسليمه السلطة، وصولا إلى هجوم شباب الجماعة على شيخ الأزهر إبان أزمة وجبات المدينة الجامعية، انتهاء بالهجوم الإعلامي الشرس على الطيب فور إعلانه عن مبادرة المصالحة الوطنية في أغسطس 2013.

السمع والطاعة

عدة حلقات من المسلسل كشفت خديعة مفهوم السمع والطاعة داخل التنظيمات الإرهابية، بل إن عضو التنظيم ليس مطالبا فقط بالسمع والطاعة، لكنه أيضا لا يحق له السؤال أو الاستفسار أو الاستفهام، لا يحق له إعمال عقله، محرم عليه التدبر والتفكر، واعتبار السؤال نوع من أنواع نقص الإيمان.

مشهد تكرر كثيرا، إما من خلال الحسن ابن الصباح، برزك أميد، أو زيد ابن سيحون، في حديثهم مع الدعاة أو المختارين أو المؤمنين أتباع التنظيم، المؤمن الحق لا يسأل، المختار لا يستفسر، طريقة سحرية لسلخ العقل عن الواقع وإعداد نصف جاهل يتحول لسلاح يهدم به المجتمع.

مبدأ السمع والطاعة وعدم السؤال اعتمادا على التفسير المغلوط لآيات قرآنية وأحاديث نبوية، هام وضروري حتى لا ينتبه أتباع الجماعة الإرهابية لكم التعارض الفكري الذي يعيشونه ويتحولون إلى تابعين مخلصين، على الرغم من أن لحظة تدبر واحدة سوف تكشف أن قادتهم يحثوهم على محاربة المجتمعات الكافرة لكن لم يطلب منهم أبدا تحرير بيت المقدس (على سبيل المثال)، قادتهم يزرعون داخلهم الحلال والحرام لكنهم يأمرون بقتل الأطفال الأبرياء والعزل ويبيحون جهاد النكاح ويعدمون الأسرى بأبشع الطرق (الحرق)، وهي جميعها أفكار وتصرفات ليست في الإسلام.

قشور الدين

في الحلقة الثامنة الحسن ابن الصباح سأل زيد ابن سيحون عن الحكم الشرعي لنبات الجنة (الحشيش)، موقف عبثي ساخر بامتياز، ذكرني بخطاب محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان في ديسمبر 2012، حيث احتشد المتظاهرون أمام قصر الاتحادية رافضين لحكم جماعة الإخوان، توفي يومها 8 من الشباب المتظاهرين، ليخرج المرشد العام يسأل عن النباتات التي تلفت أثناء الاعتصام!!

وصف شهير تميز به المصريون… “أصحاب الإسلام الوسطي الجميل”، وهو في نظري لأن القناعة الدينية لدى عموم المصريين ترسخت في فهم المعنى الأجل للدين والذي يمكن تلخيصه في القاعدة الذهبية… “الدين المعاملة”، لذا إن أردت هدم هذه القناعة وتفتيت هذا المجتمع وتشويه ذلك الإسلام الوسطي، فرق بينهم بالتعمق والتوغل في التفاصيل والقشور والأمور الثانوية التي لن نغني ولن تثمر ولن ينتج عنها إلا مزيدا من الانشقاق.

مثلا… مع كل عيد للإخوة المسيحيين يخلق نقاش عبثي من رواد القشور عن جواز التهنئة من عدمه، بعد استشهاد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وبدلا من النقاش حول أهمية الكفاح من أجل تحرير الأرض، ظهر النقاش حول جواز الترحم عليها من عدمه!!

رسالة الحسن ابن الصباح للسلطان ملكشاه

رسالة الحسن ابن الصباح للسلطان السلجوقي ملكشاه، والتي يتغزل فيها بحكمة السلطان وعدله وفي نفس الرسالة يحذره من وزيره نظام الملك، ذكرتني برسالة حسن البنا مرشد ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين للملك فاروق الأول عام ١٩٤٦، حينما أرسل له خطاب تغزل في حكمه وبصيرته بصفته المنقذ للوطن وللعالم الإسلامي، إلا أنه في نفس الخطاب يضع شرطا لاستقرار الدولة وعدم تظاهر أتباع جماعة الإخوان، وهو الخلاص من إسماعيل صدقي باشا رئيس مجلس الوزراء.

بل إنه ولو عدنا بالتاريخ قليلا للوراء، سنجد تشابها بين مبررات ظهور طائفة الحشاشين وإنشاء تنظيم الإخوان، فكما اعتمد الحسن ابن الصباح على موت الإمام نزار ابن المستنصر لتكوين دعوته الجديدة، اعتمد حسن البنا على إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924 لتكوين جماعة الإخوان، وكما حول الصباح دعوته إلى حركة سرية تمارس الاغتيال ضد معارضيها، ظهر التنظيم الخاص السري داخل جماعة الإخوان عام 1940 بقيادة محمود عبد الحليم.

“زي ما الناس انضموا لنا بالتعاطف جاه الوقت إنهم ينضموا لنا علشان قوتنا”

منذ عام 1948 عندما صدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، وأفراد الجماعة يرتدون قناع المظلومية، يكتسبون تأييد من حولهم بالتعاطف، يدعون حرمانهم من دخول انتخابات مجلسي النواب والشيوخ (الشعب والشورى وقتها) على الرغم من توغلهم في انتخابات النقابات والأندية ومختلف الجمعيات الخيرية والجهات الحكومية.

منهم من كان يخفي حقيقة انتماءه لينشر مستترا أفكار وتوجهات الجماعة، وكيف يتعرض أتباعها للظلم والحرمان، ينجح في الانتخابات وعلى الرغم من ذلك يؤكد منع الجهات الأمنية فوز أي تابع للجماعة، يترقى في الجهات الحكومية، وفي نفس الوقت يدعي كذبا حرمان أتباع الجماعة من تولي أي مناصب قيادية في أي جهات حكومية.

طريقة أخرى اعتمدتها جماعة الإخوان لكسب متعاطفين جدد معها، وهي أحد طرق غسيل الفكر كما حاول الحسن ابن الصباح مع الشاب يحيى، تعتمد طريقة الإخوان على إقامة معسكرات شبابية مشتركة بين شباب الجماعة وشباب التنظيمات والأحزاب الأخرى، إحداث حالة من التقارب الاجتماعي دون الخوض في أي نقاش سياسي أو ديني، كسر الحاجز أو جدار الجليد بين شباب الجماعة الموجهين وشباب باقي التنظيمات لاستغلالهم في وقت لاحق.

قبل عام 2011 ارتدت الجماعة قناع المظلومية والتعاطف لكسب المؤيدين، لكن بدء من عام 2012 خاصة بعد الفوز بأغلبية مقاعد النواب والشيوخ وأيضا الفوز بالرئاسة، ارتدت الجماعة قناع القوة، مهددين كافة معارضيهم بل ومكفرين لهم أيضا، رافضين لوجود رأي آخر، مروجين لخطورة معارضتهم لأنهم يمتلكون من القوة العسكرية الكفيلة لهدم الدولة.

“مقدرش أحارب دولة… أقدر أوقع دولة”

في الحلقة الخامسة عشر قالها الحسن ابن الصباح صراحة، يمكن هدم الدولة بدلا من محاربتها بتكلفة عسكرية باهظة وخسائر بشرية كبيرة، وإن كان المسلسل يعني بهدم الدولة اغتيال خليفتها أو سلطانها أو التحكم في وزيرها، فإن العصر الحالي شهد طرقا مختلفة لهدم الدولة من الداخل، إما بإثارة الفتن، أو الثورات الموجهة، أو نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة، وربما فرض حصار اقتصادي عليها.

وصف قد يبدو نظريا بعض الشيء، إلا أن ما نجت منه الدولة المصرية لم تنجو منه دولا أخرى، فلا وجود للدولة الليبية اليوم، ولا الدولة اليمنية، والدولة السودانية انقسمت ثم حارب كل قسم فيها نفسه، العراق وسوريا ولبنان تمزقوا تماما، نجت البحرين وموريتانيا وتونس من محاولات مماثلة، وسبقتهم للضياع جميعا الصومال ومن قبلها فلسطين.

“الفرق كبير قوي بين عظمة النفس البشرية المشروعة وعظمة النفس البشرية المذمومة”

حكمة وردت على لسان عمر الخيام في الحلقة الثامنة عشر من المسلسل، تكشف حالة الالتباس التي يقع فيها البعض، فمنذ ظهور تنظيم داعش والمناداة بعودة فكرة الخلافة، دارت التساؤلات عن سبب رفض فكرة الخلافة وهي التي ظهرت بعد وفاة رسول الله، وبالتالي أوجدوا مبرر ديني لتنظيم داعش كي يفعل ما يفعله من هدم وتخريب في دول المنطقة.

والفكرة هنا ليست في طريقة الحكم أو طريقة الوصول للحكم (وإن كان الإسلام لم يحدد طريقة لاختيار الحاكم بل تركها مرهونة بمتغيرات العصر)، بل الفكرة الأساسية تنحصر في الهدف من الوصول للحكم، العالم الذي يبتكر دواء يشفي المرضى هو نفسه العالم الذي يخترع فيروسا يمرض الأصحاء، الاختلاف الوحيد بينهما هي النفس البشرية.

الحاكم الذي يصل لكرسي السلطة لا يهم كيف وصل، سواء بانتخابات أو توريث أو خلافة، المهم ماذا فعل بعد وصوله، هل أصلح شأن رعاياه أم أذاقهم من العذاب ألوان، هل اهتم ببناء دولته أم توجه للإغارة على الدول المجاورة، هل حرص على بناء مجتمع سليم الفكر أم وضع قيودا على كل ما يخالف رأيه وفكره.

الهدنة بين السلاجقة والحشاشين

بسبب صراع السلطان بركياروق مع إخوته وعمه على الحكم، استجاب السلطان لفكرة الهدنة بينه وبينه الحشاشين ظنا منه أنهم لن يتطاولوا عليه، وهي الهدنة التي تشبه بدرجة كبيرة الصفحة التي فتحها الرئيس الأسبق محمد أنور السادات مع جماعة الإخوان المسلمين عام 1970، بعد زيارة كمال أدهم، المسئول عن المخابرات السعودية ومستشار الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية.

السلطان بركياروق - محمد أنور السادات
السلطان بركياروق – محمد أنور السادات

وقتها أفرج السادات عن قيادات الإخوان المسلمين المتواجدين في السجون، وأمر بعودة الجنسية المصرية لمن سحبت منهم في عهد جمال عبد الناصر، ظنا منه أن الجماعة ستحفظ الجميل ولن تتطاول عليه وعلى نظام حكمه، إلا أن العكس هو ما حدث، تلاعبت الجماعة على كل الحبال واخترقت الجامعات والمصالح الحكومية، وانبثقت منها الجماعات المسلحة، مثل مجموعة شكري مصطفى التي اغتالت الشيخ محمد الذهبي وزير الأوقاف الأسبق عام 1977.

في خطابه الشهير يوم 5 سبتمبر عام 1981، وقبل اغتياله بشهر، لخص السادات تجربته المريرة مع تنظيم الإخوان، معلنا أنه يمثل خطرا على هوية الدولة المصرية، وعلى كيانها، ووحدتها الوطنية، لأن هذه الجماعات تُعلي الجماعة فوق الأمة، والتنظيم فوق الدولة، وندم على إخراجهم من السجون.

زيد ابن سيحون وصهبان البلان

شخصيتان على النقيض تماما، الأول مخادع والثاني متكاسل حتى عن التفكير، الأول وصولي والثاني يعيش أسيرا لطعامه وشرابه، الأول يصنع الكذبة والثاني يصدقها بسهولة، الأول يمثل طمع السلطة والرغبة في الاستحواذ على كل شيء والثاني يمثل حزب الكنبة المغلوب على أمره غير المشارك في تغيير أي وضع خاطئ.

كلاهما شخصيات درامية لا أصل لها في الواقع، إلا أن وجودهما كان من مقتضيات الدراما الهادفة لإيصال رسائل مختلفة، فالأول قتل بعدما اكتشف كم الخداع الذي تعرض له، حاول متأخرا كشف الحقيقة إلا أن الوقت قد فات، والثاني عاش ومات ولم يشعر به أحد، لم يترك أثرا ولم يرفض فكرة ولم يعارض خطأ.

مواجهة الفكرة

في الحلقة الخامسة والعشرون خرج ابن الصباح من القلعة وواجه منفردا عددا من الجنود السلاجقة الذين حاولوا مواجهة فكرته بالسلاح فكانت النتيجة فشلهم وتحولهم لتابعين له، وهو نمط متكرر في المسلسل، الفكرة كي تندثر وتختفي لابد من مواجهتها بفكرة أقوى وأكثر حجة، العنف قد يؤدي لاختفاء الفكرة أو الانزواء بعيدا لفترة من الوقت، لكن مع مرور الزمن وذاكرة السمك ستعود الفكرة للظهور مرة أخرى.

هذا الخطأ الذي وقعت فيه الدولة المصرية منذ عام 1948 وحتى عام 2013، واجهت الفكرة الشيطانية أو الإرهابية بالقوة الأمنية فقط، مع محاولات متفرقة لنشر الفكر الوسطي المعتدل، إلا أنه لعدم وجود خطة طويلة الأمد ومنهج متبع يرسخ الهوية وينشر الثقافة وتعاليم الدين الصحيحة، سواء من خلال المؤسسات الدينية والجهات المهتمة بالثقافة، عادت الفكرة للظهور مرة أخرى بين الفئات المهمشة التي تشعر بالمظلومية.

“الأمل إنك تثق في نفسك… مفيش عدو بيخاف من جبان متداري”

حملت الحلقة السابعة والعشرون من مسلسل الحشاشين نصيحة الشاب يحيى، وهي نصيحة تذكرنا بما كانت تعاني منه الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو وزوال حكم الإخوان، فوضى عارمة وتفجيرات إرهابية وعمليات اغتيال وأحداث عنف الهدف منها فقدان الشعب الثقة في نفسه، فقدان المواطن الثقة في أقاربه ومعارفه وأصدقائه وزملائه وجيرانه، فوضى تهدف لتوقف الحياة بشكل كامل في مصر، أن تتحول دولة يقطنها مليون مواطن إلى الإغلاق التام.

ولعل اختلاف تعامل طائفة الحشاشين مع الدولة السلجوقية بين إقرار لهدنة مؤقتة والقيام بعمليات ترويع لأهالي أصفهان، يوضح الرؤى التي تعاملت بها جماعة الإخوان المسلمين مع النظام الحاكم في مصر، والتي قسمت لأربع رؤى:

  • الرؤية الكربلائية والتي تعتبر أي صدام مع النظام بمثابة ابتلاء يجبر الصبر عليه لحين زواله، ومن أنصار تلك الرؤية المرشد السابق مهدي عاكف
  • الرؤية المنهجية والتي ترى ضرورة التعامل الواقعي مع الأزمات، عن طريق استنفاذ كافة الطرق السياسية، ومن أنصار تلك الرؤية المرشح السابق عبد المنعم أبو الفتوح
  • الرؤية التوافقية والتي تتبنى فكرة التفاهم مع النظام وعقد اتفاق يضمن العمل في مساحة محددة، كما حدث في انتخابات مجلس الشعب عام 2005
  • الرؤية الجذرية وهي قائمة على فكرة حل جماعة الإخوان بشكل كامل وإنشاء بدلا عنها حزب سياسي بمرجعية إسلامية يمارس نشاطه بشكل مشروع

برزك أميد

سامي الشيخ في دور برزك أميد
سامي الشيخ في دور برزك أميد

على الرغم من أن برزك أميد شخصية حقيقية تولت قيادة طائفة الحشاشين بعد وفاة الحسن ابن الصباح، إلا أنه ما قدمته آخر حلقتين من المسلسل عن برزك ذكرني بـ عبد الرحمن السندي، مؤسس التنظيم الخاص وقائد الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، موضع ثقة حسن البنا المرشد العام.

السندي مع الوقت شعر بأهميته وقوته التي تخطت قوة المرشد نفسه، وبدأ في تنفيذ الاغتيالات دون الرجوع لقيادات جماعة الإخوان المسلمين وهو ما أثار حفيظة مكتب الإرشاد إلا أن البنا جدد ثقته في السندي إلى أن تم اغتيال البنا واختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما، هنا احتل السندي المقر الرئيسي للجماعة وتطاول على الهضيبي بل إنه أمر باغتيال بعض قيادات الجماعة المعارضين له.

وثيقة تكشف اللقاء بين حسن البنا وأليستر كراولي
وثيقة تكشف اللقاء بين حسن البنا وأليستر كراولي

أيضا عبد الرحمن السندي هو من فضح لقاء حسن البنا بالمشعوذ الإنجليزي أليستر كراولي في أكتوبر ١٩٤٨، مؤكدا أن كراولي أعجب بأفكار حسن البنا، معتبرا وجود تنظيم الإخوان ضروريا في المنطقة العربية، كما أنه هو من تبرع لحسن البنا في البداية لتأسيس جماعة الإخوان في الإسماعيلية.

مصطفى الطبجي

مصطفى الطبجي، كاتب صحفي في موقع برلمان مصر، وله العديد من المؤلفات والأوراق البحثية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى