بمناسبة عيد تحرير سيناء، مُنح العاملين في الجهاز الإداري للدولة وكافة الهيئات والجهات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، أجازة رسمية تخليدا لذكرى تحرير شبه الجزيرة من الاحتلال الإسرائيلي، الأرض المقدسة التي شهدت في 5 يونيو 1967 عدوانا غاشما، فقدت فيه الدولة المصرية حوالي 15000 شهيد و4000 أسير.
لكني على العكس من كل دعاة الاحتفال، وعلى العكس من الأغنية الشهيرة “سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد”، التي أطلت الفنانة شادية علينا بها في 25 أبريل 1982 على مسرح الزمالك التابع للقوات المسلحة، أجدني أسأل… بماذا نحتفل؟! ولماذا؟!
للإجابة على السؤال علينا مراجعة الأحداث التاريخية بعناية وتسلسل منطقي وحقيقي
6 أكتوبر 1973، يوم من أعظم أيام الدولة المصرية، بدأت فيه القوات المسلحة حرب استرجاع الأرض ومن قبلها استرجاع الكرامة، 220 طائرة حربية مصرية على ارتفاعات منخفضة، استهدفت التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة، تلاها تمهيد مدفعي يقصف بشكل مكثف تحضيرا لعبور المشاة.
الأهداف الإستراتيجية للحرب لم تتضمن بأي حال من الأحوال استرجاع كامل شبه جزيرة سيناء، وهذا ليس تقليلا من عظمة الانتصار، لكنها أهداف منطقية وُضعت طبقا للإمكانيات المتاحة للقوات المسلحة المصرية وقتها، تستهدف وقف حالة اللا حرب واللا سلم، عبور قناة السويس، والاستيلاء على الضفة الشرقية وتأمينها بعمق كاف يضمن فتح قناة السويس للملاحة الدولية، ومن ثم استكمال تحرير باقي شبه الجزيرة.
بعد التزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار في 22 أكتوبر 1973، والدخول في مباحثات عسكرية، خاصة بعد وصول قوات طوارئ دولية أرض سيناء، في 11 نوفمبر 1973، تم توقيع اتفاقية بين القوات المسلحة المصرية وإسرائيل تتضمن التزاما بوقف إطلاق النار ووصول الإمدادات اليومية إلى مدينة السويس، وتولت قوات الطوارئ مراقبة الطرق، وتبادل الأسرى والجرحى، فيما عرف بمباحثات “الكيلو 101”.
في يناير 1974، وقعت مصر وإسرائيل الاتفاق الأول لفض الاشتباك، الذي حدد الخط الذي تنسحب إليه إسرائيل على مساحة 30 كيلو مترا شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات التي سترابط بها قوات الطوارئ الدولية، وفي سبتمبر 1975 وقعت مصر وإسرائيل الاتفاق الثاني، واستردت مصر بموجبه 4500 كيلو متر مربع من أرض سيناء الغالية.
في 26 مارس 1979، وقعت مصر وإسرائيل معاهدة السلام، التي نصت على إنهاء حالة الحرب بين الطرفين وإقامة سلام بينهما، وانسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلية والمدنيين التابعين للكيان المحتل، من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين، على أن تستأنف مصر سيادتها الكاملة على أرض سيناء.
في 26 مايو 1979، تم رفع العلم المصري على مدينة العريش وانسحبت إسرائيل من خط العريش / رأس محمد، وبدء تنفيذ اتفاقية السلام، وفي 26 يوليو 1979، نفذت إسرائيل المرحلة الثانية للانسحاب من سيناء بمساحة 6000 كيلومتر مربع من أبو زنيبة حتى أبو خربة، وفي 19 نوفمبر 1979، انسحبت إسرائيل من منطقة سانت كاترين ووادي الطور، وأعتبر ذلك اليوم عيدا قوميا لمحافظة جنوب سيناء.
في نهاية عام 1981 وبعد اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، أعلنت إسرائيل اعتراضها على 14 علامة حدودية في جنوب سيناء فيما عرفت بأزمة طابا، إلا أنه وعلى الرغم من الخلاف واللجوء للتحكيم الدولي، في 25 إبريل 1982، تم رفع العلم المصري على مدينة رفح في شمال سيناء بعد احتلال دام 15 عاما، وأعتبر ذلك اليوم عيدا قوميا لمحافظة شمال سيناء، ليتم تحرير شبه الجزيرة، فيما عدا طابا.
في مايو عام 1982، تفجر الصراع بين مصر وإسرائيل حول طابا، وعرضت مصر موقفها بوضوح، لا تنازل ولا تفريط عن أرض طابا، وفي 30 سبتمبر 1988، أعلنت هيئة التحكيم الدولية في الجلسة التي عقدت في برلمان جنيف حكمها في القضية، والتي حكمت بالإجماع بمصرية طابا، وفي 19 مارس 1989، رفع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك علم مصر على طابا المصرية، معلنا نداء السلام من فوق أرض طابا واسترجاع كافة الأراضي المصرية المحتلة.
هذا التسلسل التاريخي يخبرنا بخطأ الاقتراح الذي تقدمت به النائبة السابقة سهير جلبانة، عضو مجلس النواب عن مدينة العريش، رحمة الله عليها، والتي ترشحت أول مرة عام 1979 والثانية عام 1984، أعقبها دورتين فى مجلس الشيوخ، فهي من تقدمت بمشروع قانون لاعتماد يوم 25 أبريل أجازة رسمية وعيدا قوميا بمناسبة تحرير سيناء، فنال موافقة رئاسية فورية مباشرة دون عرض ومناقشة، وهو احتفال من وجهة نظري يسلخ مدينة طابا عن كامل الأراضي المصرية.
اختيار يوم 25 أبريل بمثابة خطيئة آن الأوان لتصحيحها، خطيئة تتعارض مع الجهود المصرية التي بذلت من أجل استرجاع مدينة طابا وإثبات مصريتها بكافة الطرق القانونية، خطيئة تجحف من دور اللجنة القانونية المصرية التي خاضت حربا لا تقل شراسة عن حرب أكتوبر 73، خطيئة تتعارض مع الجغرافيا وحدود الدولة المصرية التي نسعى لحفرها في عقول ووجدان الشعب المصري، خطيئة تقلل من مفهوم الهوية المصرية الذي يجب أن يتشبع به كل مواطن مصري، خطيئة يجب تصحيحها ليتم اعتبار 19 مارس… عيدا قوميا لتحرير كامل سيناء.