أصبح تطبيق التواصل الاجتماعي “واتس آب”، خاصة “الجروبات”، مثل البيئة الخصبة لنشر أي معلومة خاطئة أو أي شائعة، يتناقلها العامة بسرعة كبيرة دون تأكيد أو مراجعة أو حتى الوقوف ثواني للتدبر، فقط بحثا عن السبق والصدارة وإظهار أنفسهم مظهر العالم ببواطن الأمور.
فانتشر منذ عدة أيام تشكيل وزاري مفبرك، اجتهد صانعه في اختيار أسماء تصلح “سياسيا” لتولي المنصب، كونها أسماء حقيقية لشخصيات عامة، يتولي بعضها مناصب قيادية بالفعل، التشكيل الذي تلقفه العامة وسارعوا بنشره كما تفعل “شاومي” مع امتحانات الثانوية العامة، مختوما بتأكيد خادع بأن المعلومة من “الكنترول”.
هذه ليست المرة الأولى التي يكرر فيها العامة رواد التواصل الاجتماعي نفس الخطأ، فمنذ شهور انتشرت قائمة حركة المحافظين الجديدة، ومن المضحك أنها ضمت اسم وزير حالي، أي أن من ينشر لا يقرأ، ومن يقرأ يجهل اسم الوزير، ثم يتباهى كل هؤلاء بأنهم المدافعين الأوائل عن الوعي والأمن الوطني وحريصين كل الحرص على المصلحة العليا للوطن.
وعندما أكتشفت اللعبة وفضحت القائمة المفبركة، ظهرت قائمة جديدة لحركة المحافظين تضم أسماء نواب محافظين، تماما كما أعيد كتابة نفس أسماء التشكيل الوزاري المفبرك، لكن بخلفية تشبه بيانات مجلس رئاسة الوزراء، ليعيد نفس الرواد الأشاوس تكرار نفس الخطأ ونشر شائعة جديدة دفاعا عن الدولة وحرصا على أمنها وسلامتها.
هذا فيما يخص التشكيل الوزاري المفبرك الذي وجد طريقه للنور متكئا على عقول غلفها غياب المعرفة، وأبعدها عن المنطق والعقلانية بمسافات شاسعة، في نفس ذات الوقت هذه العقول هي من تنقل فيما بينها أمنياتها التي تتمنى من الحكومة الجديدة تحقيقها!!
وهنا بيت القصيد، ماذا نريد حقا من الحكومة الجديدة وماذا نريد أيضا من الرئيس؟!
اسأل نفسك عزيزي القارئ هذان السؤالان، وأعلم تماما أن الرد سينير عقلك في ثواني، نريد كهرباء بلا انقطاع، نريد خبزا بلا طوابير، نريد علاجا بلا زحام، نريد سلعا بلا تضخم، نريد رقابة بلا تخاذل، نريد عدلا بلا استثناءات، نريد أمنا بلا شروط، نريد معيشة بلا معاناة، نريد استثمارا بلا عراقيل، نريدا تعليما بلا تعقيدات، نريدا تشجيعا حقيقيا للشباب بلا شعارات.
هذه كلها مطالب مشروعة لا خلاف عليها تمثل معاناة يومية لفئة كبيرة من المجتمع المصري، والقضاء عليها أمر واجب على أي قيادة سياسية، حكومة حقيقية، وأغلبية برلمانية المفترض أنها تعبر عن المواطن، لكن بعد التعامل مع المباشر مع عدد مختلف من القضايا والمشاكل، اتضح سطحية كل هذه الأمنيات.
إن ما نريده حقا، ألا يتعامل وزراء الحكومة الجديدة معاملة الضرائر، ألا نكرر نفس خطيئة الجزر المنعزلة، أن يخبرنا رئيس الوزراء عن فائدة التشكيل الوزاري مادام كل وزير يعمل بمعزل عن باقي الوزارات، بل إن الهيئات المختلفة داخل نفس الوزارة بمعزل عن بعضها البعض، والمديريات بمعزل عن ديوان الوزارة.
إن ما نريده حقا، فهم فائدة الهيكل الإداري إذا كانت المشاكل في جهة إدارية لها حلول في جهة إدارية أخرى، لكن الجهتان لا يخاطبان بعضهما البعض، ويتعامل كل طرف مع ما بحوزته من معلومات على اعتبارها معلومات “سري للغاية”، يحذر على الجميع الاقتراب أو التصوير أو السؤال.
إن ما نريده حقا، تعيين مستشار واحد فقط لكل وزير، مستشار يتم اختياره من المواطنين الذي ضاعت أعمارهم وقوفا في الطوابير المختلف، مستشار واحد يغني عن كل هؤلاء المستشارين الذين يطرحون وجهة نظرهم جالسين في مكاتبهم المكيفة التي لا تنقطع عنها الكهرباء.
إن ما نريده حقا، أن تتذكر الحكومة أن الله خلق لها عينان، عين ترى بها المصلحة العليا للدولة، والظروف الخارجية والتحديات الداخلية، وعين أخرى ترى بها المواطن البسيط الذي يعاني الأمرين، نظرا للظروف الاجتماعية والمادية التي قسمت ظهره وأحنت كرامته، إن ما نريده حقا ألا تضع الحكومة عصابة على إحدى عينيها.
إن ما نريده حقا، ألا تصبح الحكومة ملكية أكثر من الملك، والتوجيهات الرئاسية ليست آيات منزلات، والإجراءات الحكومية المنفذة أو المحققة لهذه التوجيهات، تحتمل التعديل وقابلة للمراجعة.
إن ما نريده حقا، تحقيق ما سمعناه منذ سنوات طويلة، هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه، ولم يجد حتى الآن.