نصف القرى والمدن الحالية في مصر تأسست بعد عام 1315 ميلادية، فضلا عن الآلاف من التوابع الصغيرة من العزب والنجوع، وهذه البلدات وملحقاتها جديدة ومستحدثة على أرض لم تكن مأهولة من قبل سواء في قلب الأرض الزراعية أو على حافة الصحراء، وقد رصد ذلك من خلال المسح الشامل للقطر المصري المعروف باسم الروك الناصري حيث رصدت بالأسماء والمساحات كافة البلدات وكانت في هذا التاريخ عدد 2480 قرية ومدينة منها عدد 1739 في الدلتا وعدد 741 في الصعيد.
وقد جاءت تفاصيل عن البلدات الجديدة في مناشير الإقطاعات المملوكية وحجج الأطيان والأوقاف، وفي العصر العثماني والخديوي تم توثيق كافة بيانات القرى والكفور والنجوع من خلال دفاتر الروزنامة القديمة والتربيع العثماني ودفتر أسماء نواحي الولايات ودليل 1224 هـ ودفتر تاريخ 1228 هـ وسجلات حصر النفوس وجدول بيان العربان وقوائم العمد والمشايخ ودفتر المساحة ودفتر المكلفات المالية وجدول أسماء البلاد المصرية ، وهي جميعا موجودة ومتاحة للباحثين في دار المحفوظات.
وقد يقبل تضارب الروايات الواردة في كتابات المؤرخين والرحالة بالنسبة للعصور الأقدم، أما بعد هذا التاريخ فكل شيء مسجل من أول كيفية تأسيس القرى وحتى سبب تسميتها وما طرأ عليها من تغييرات في المساحة أو التكوين السكاني، ولهذا يأتي العجب عندما يحدث جدال حول بعض المدن والقرى مثل الزقازيق التي تأسست عام 1827 ميلادية، أو نجع حمادي التي كانت أرضا زراعية حتى عام 1880 ميلادية، حيث يتوهم البعض أن الزقازيق اسمها فرعوني وأن نجع حمادي من زمن الفتح الإسلامي.
وتسميات القرى في مصر ليست عشوائية وإنما معروفة السبب، مثلا قرية بني واللمس ترجع إلى عشيرة مغربية تحمل هذا الاسم بينما قرية بني مجد تحمل اسما حديثا بناء على طلب أهلها حيث كان اسمها القديم بني كلب نسبة إلى قبيلة كلب القحطانية، ومنشأة لملوم تنسب إلى صالح باشا لملوم من كبار أعيان العرب، وقرية كوم الهوى تغير اسمها إلى الجعافرة بناء على طلب سكانها من عرب الجعافرة بينما قرية بني صالح سميت نسبة لأحد الأولياء المدفونين فيها وليست نسبة لاسم قبيلة، وهكذا.
ودائما ما يثار الجدل حول القبائل العربية في مصر حيث الادعاء بشراء الأنساب لنفي وجود العرب أو قيام بعض القبائل بتأليف تاريخ شفوي يثبت قدمهم أو يغير نسبهم، وقد فاتهم جميعا أن الجزء الأكبر من القبائل العربية في مصر قدمت في عصر التدوين حيث تتوفر كافة المعلومات في السجلات الرسمية، وهناك مراكز كاملة تأسست بسبب توطين القبائل حديثا مثل أبو حماد وأبو صوير وكفر صقر وأولاد صقر والحسينية والقصاصين وأبو المطامير وأبو حمص وحوش عيسى والدلنجات.
وفي الصعيد يتضح ذلك بشكل أكبر حيث كان عدد القرى من بر الجيزة حتى جنادل أسوان 741 فقط في الروك الناصري أي بمتوسط سبعين قرية فقط في كل محافظة من محافظات الوجه القبلي حاليا، وكافة قرى الصعيد بعدها قد نشأت في العصر المملوكي المتأخر والعصر العثماني والخديوي حتى وصلت إلى عدد 1755 قرية حيث تم تسجيل تاريخ التأسيس وسبب التسمية وهل هي مقتطعة من زمام قرية أقدم أم بسبب توطن القبائل العربية مع ذكر هذه القبيلة ونسبها بوضوح وأسماء شيوخها.
ويصر البعض على روايات غريبة مثل أن تسمية البدرشين جاءت من قول زليخة لسيدنا يوسف أن البدر أصبح شين وهو الأمر المخالف للحقيقة لأن الاسم الأصلي للبلدة في السجلات هو بدرش أم جعفر ثم تغير لاحقا بصيغة التثنية المعتادة في تسميات الروك الصلاحي، أو يصر بعضهم على أن ينسب للفراعنة أي قرية تبدأ بكلمة (ميت) مثل ميت غمر وميت عقبة وميت رهينة بينما لا توجد كلمة ميت في أي سجلات قبل العصر العثماني لأنها حرفت من منية للتخفيف في زمن متأخر.
وهناك تسميات تدل على الفترة الزمنية مثل كلمة محلة التي استعملت في عصر الولاة لوصف منازل القبائل مثل محلة بني واقد ومحلة حفص وكلمة منية التي استعملت لوصف الإقطاع الممنوح مثل منية ابن خصيب ومنية القائد، واستعملت معها كلمات قرية وناحية وبلدة في السجلات، وفي عصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ظهرت كلمة كفر التي تعني قرية جديدة أقيمت على زمام مستقطع من قرية أقدم منها وكلمة منشأة التي تعني قرية جديدة، وفي العصر العثماني ظهرت كل من نجع ونزلة لوصف مواضع القبائل.
وفي العصر الخديوي ظهرت كلمات أبعادية وعزبة وقصر، وعرف رئيس القرية أولا باسم شيخ البلد ثم في سنة 1260 هـ ظهرت كلمة عمدة، وجميع كتب الجغرافيا المعتمدة لم تكن من تأليف هواة وإنما كان أصحابها من كبار موظفي الدولة من أول الأسعد بن مماتي وابن فضل الله والقلقشندي والمقريزي وابن دقماق وحتى ابن الجيعان وعلي باشا مبارك ومحمد بك رمزي، وجميعهم قد نقل من واقع السجلات الرسمية الحكومية التي رصدت الحقيقة ولم تترك شيئا لأصحاب الأهواء.