سوريا، تلك الأرض الشاهدة على ميلاد الحضارات، تلك المنطقة الحاضنة لأحلام الإنسانية، تقف الآن على حافة الألم بعد 15 عام من الصراع، عام 2024 تتساقط أوراقه الأخيرة، وسوريا ليست كما كانت، ليست كما ينبغي أن تكون. نراقبها من بعيد، تبدو كما لو أنها طائر جريح يرفرف بجناحيه في محاولات بائسة للتحليق كي يلحق شمس الأمل وسط ظلام أثقل كاهله
في الجنوب السوري يبدو الوضع وكأن الأرض نفسها تبكي، دولة الاحتلال الإسرائيلي تتوغل في القرى والسهول التي كانت يوما مسرحا للسلام، الدبابات تسيطر على أرضا حررت عام 1973، سلاحها الجوي يمتد كظل لا رادع له، جرح جديد ينزف في جسد وطن منهك، وكأن الجنوب الذي كان شاهدا على التاريخ، أجبر الآن على أن يكون شاهدا على خيبات الحاضر.
أما في الداخل، فإن المشهد يبدو أكثر تعقيدا وأشد سوادا، فالميليشيات المسلحة التي ولدت من رحم الحرب والانقسام والتنظيمات الإرهابية، تتعامل مع مفهوم الوطن باعتباره رقعة شطرنج، في نفس الوقت فإن كل هؤلاء ليسوا أحرارا في قراراتهم؛ بل هم دمى تحركها أصابع الدول الأو الأجهزة التي مولت هذه المليشيات بالمال والعتاد والسلاح والرجال، لكل منها أجندتها وأحلامها الخاصة، وتبقى سوريا في المنتصف، تباع وتشترى كسلعة في سوق النخاسة.
مليشيات من كل حدب وصوب، “قوات سوريا الديمقراطية الكردية” (قسد) المتحالفة مع أمريكا، “أحرار الشرقية” و”فرقة السلطان مراد” التابعين لتركيا، ميليشيات “فاطميون” و”زينبيون” الموالين لإيران،”الجيش السوري الحر”، “هيئة تحرير الشام” التابعة سابقا لتنظيم القاعدة، الجزء المتبقي من تنظيم “داعش” شرق سوريا، وحركات صغيرة مثل “حراس الدين”، “أحرار الشام”، “جيش الإسلام”، “صقور الشام”، “لواء شهداء الشام”، “فيلق الرحمن”، “فيلق الشام”، “جيش المجاهدين”، و”جند الحق”، وأخيرا “وحدات حماية الشعب” الكردية.
يهل علينا عام 2025، ناظرين إلى سوريا التي أنهكتها انقسامات كل المليشيات السابقة، والتدخلات الخارجية، ومساوئ النظام الحاكم، يهل علينا عام 2025 سائلين أنفسنا هل ستعود دمشق زهرة للشرق؟! هل هي قادرة على استعادة عافيتها؟ هل سيزور السائحين “الكنيسة المريمية” و”جامع بني أمية”؟! هل سيعود “سوق البزورية” ليعج بالحياة مجددا؟! أم سيبقى تاريخ دمشق أطلالا يذكر من يمر به بأن هذه المدينة كانت يوما نابضة بالحياة؟!
الأمل موجود لكنه هش، كشمعة في مهب الريح، ربما تجلس كافة الأطراف حول طاولة المفاوضات، لكن كيف يتم التفاوض والتفاهم وكل فصيل يشهر سلاحه جاهزا للانقضاض على إحدى مربعات الشطرنج، هل تسعى الأطراف كافة لبناء سلام حقيقي كما فعلت رواندا، أم سلام هش كما فعلت لبنان؟! هل يسلم الجميع أسلحته كما فعلت فيتنام، أم يبسقى السلاح هو المتحدث الرسمي كما فعلت ليبيا؟! هل يملك السوريون والمجتمع الدولي تلك الإرادة؟! أما سنكتفي ببيانات الشجب والإدانة والشعور بالقلق؟!
الأمل موجود لكنه هش، كزهرة تنمو في صحراء قاحلة، والأمل في الشعب السوري نفسه، هؤلاء الذين صمدوا رغم كل شيء، الذين تتجه بوصلتهم الوطنية نحو بلادهم التي تستحق الأفضل، لا يرفعون إلا العلم السوري ولا ينتمون إلا للدولة السورية، هؤلاء الذين يريدون بناء وطنهم بالحوار بدلا من السلاح، لكن حتى ذلك الحين، يبقى حال سوريا كقصة حزينة تروى، بعدما تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، مع توقعات بمزيد من التصعيد.