لست سوريًا لأختار رئيس سوريا. لا يهمني إن كان أسدًا أو ضبعًا. أو كان جولانيًا أو حمصيًا أو حلبيًا. الشعب السوري وحده هو من يقرر مصيره ويختار رئيسه أو يخلعه أو يغيره أو يمجده أو يسقطه. هو وحده صاحب الحق الحصري في هذا الشأن لا ينازعه فيه أحد.
ولست في مقام تنظير إن كان ما كان هو الخيار الشعبي السوري، أو تنفيذ لأجندات دولية وإقليمية. فمقبل الأيام كفيل بالبيان، فمن كانت قضيته بشار فالرجل في خبر كان، وأقيمت الحفلات في جانب والمناحات في آخر. ومن كانت قضيته سوريا الوطن والشعب والدولة الوطنية، سيبقى مهمومًا بما آلت إليه الأمور وما ستؤول إليه أكثر نحو مستقبل مجهول وإن كان سهل التوقع.
الوطن مقسم بين فصائل مسلحة بولاءات مختلفة، اجتمعوا على عداء بشار لا أكثر، أما وقد سقط بشار فسيتحول الائتلاف إلى اختلاف، والاختلاف إلى خلاف، والخلاف إلى صراع دموي. ناهيك عن أن من سيطروا على الحكم في سوريا، لا ينضوي تحت لوائهم كافة التنظيمات المسلحة، فمن أتى من الشمال على الدبابة التركية، غير من أتى من الجنوب وتحديدًا درعا، غير من يسيطر على بادية الشام (داعش)، غير قوات سوريا الديمقراطية (الأكراد) الذين يسيطرون على الشرق السوري بمساحة 25% من الأرض السورية.
كل هذه الفصائل بينها ما بينها من صراع، وكلهم مرتبطون بأجندات أجنبية وأجهزة مخابرات دولية تولت تدريبهم وتمويلهم، والأكيد أن معظمهم إن لم يكن كلهم يضمون في صفوفهم مقاتلين أجانب، بل تنظيمات أجنبية بالكامل مثل “الحزب الإسلامي التركستاني”، الذي يسيطر عليه الأويغور الصينيين، الذين قدموا “لتحرير الشعب السوري”!.
على مدار سنوات الحرب في سوريا، ارتدى كل فصيل مسلح نظارة الجهة التي تموله، وتبنى أجندتها سرًا وعلانية. البعض شاهد الصراع بنظار إيرانية، والآخر بنظارة تركية، وأخرى أمريكية وأخرى روسية، وغيرها. كل نظارة كانت تبرر لمرتديها تصرفات فصيله أو الفصيل الذي يدعمه، حتى لو وصل الأمر للعمالة، فالعمالة مبررة طالما كانت الرؤية من خلف نظارة غير وطنية.
مازالت هذه النظارات هي التي تحدد توجهات البعض من الصراع، سواء سقوط الأسد أو صعود الجولاني، أو حتى احتلال إسرائيل لجبل الشيخ والمنطقة العازلة ووصولها لريف دمشق وتمركز دباباتها على بعد 20 كيلومترًا فقط من العاصمة السورية، وكذلك تدميرها لمقدرات الشعب السوري، التي تركها “حماة الديار”، كسلاح الجو كاملًا، سلاح البحرية كاملًا، الدفاع الجوي كاملًا، وغيرها من القواعد العسكرية ومراكز البحوث.
في هذه الظروف، تمامًا كما في كل الظروف، لا يمكنني قراءة المشهد إلا بالنظارة الوطنية المصرية. صحيح أنني لست سوريًا كي أختار رئيس سوريا، لكنني مصري والأمن القومي المصري هو الاتجاه الوحيد، الذي يمكن أن تشير له بوصلتي. وإضعاف سوريا بالشكل الذي نراه، والمستقبل الذي نخشاه ولا نتمناه يمس الأمن القومي المصري دون شك.
لا يعني ذلك انحيازًا لسلطة استبدادية، وبالتأكيد لا يعني الانحياز لفصائل إرهابية، وإنما يعني بالضرورة الانحياز لوجود “دولة وطنية” في سوريا، أجندتها الوحيدة هي الوطن السوري. دولة قادرة على التصدي لكل الأجندات المرسومة للمنطقة، وهي أجندات مناهضة بل ومعادية للدولة المصرية والجيش المصري. أجندات تسهدف مواصلة تقسيم المنطقة لكانتونات كائفية وعرقية تمهد لحلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. هذا الحلم الذي إذا وجد طريقه للفرات في سوريا، فلن يكون أمامه سوى طريق النيل!.
“المصلحة المصرية” هي دولة سورية ديمقراطية لجميع مواطنيها، لا سنية ولا شيعية ولا علوية ولا درزية ولا مسيحية، ولا تفرق بين عربي وكردي. دولة سورية لكل السوريين، لأن امتداد الصراع الطائفي سيحرق الجميع، ليس فقط في سوريا، وإنما في كامل المنطقة، خاصة أن دول الجوار مثل لبنان والعراق مؤهلة تمامًا لذلك!.
الفارق شاسع بين دعم الأوطان ودعم الأشخاص. وبين إسقاط الدول وإسقاط الأنظمة. قد أفرح بسقوط حاكم مستبد، لكن أن أهلل لسقوط دولة، (دولة وليس نظام حكم) خاصة إن كان في سقوطها ما يمس الأمن القومي المصري، فهو خطيئة وليس مجرد خطأ.
ما من مصري إلا ولسوريا وشعبها مكانة خاصة في قلبه. ولهذه المكانة فما من مصري إلا ويتمنى كل الخير لسوريا وشعبها. فقط تختلف المواقف باختلاف نظارات الرؤية. وفي النهاية تبقى مصر وأمنها القومي هي الخط الأحمر، الذي لن نسمح “جميعًا” لأحد بتجاوزه.