في 10 ديسمبر 2023 تولى خافيير جيراردو مايلي ذو الأصول الإيطالية، رئاسة دولة الأرجنتين، عن عمر يناهر الـ 58 عام، وخبرة لأعوام كثيرة في مجال الاقتصاد الكلي، والنمو الاقتصادي، والاقتصاد الجزئي، والرياضيات للاقتصاديين، وخبرة سياسية قصيرة مدتها عامين كعضو مجلس نواب عن العاصمة بوينس آيرس.
جاء خافيير مايلي رئيسا في ظروف عصيبة يمر بها الاقتصاد الأرجنتيني، توقعات بركود اقتصادي حاد وارتفاع معدل التضخم من 143% إلى 200%، توقعات بانكماش للاقتصاد خلال عام 2024 بمعدل 1.3% بعد انكماشه بمعدل 2.4% من إجمالي الناتج المحلي خلال عام 2023.
الأمر لا يقف على التوقعات، فالاقتصاد الأرجنتيني يعاني من الآتي:
- مجتمع يشكل الفقراء منه أكثر من 40% رغم برامج الرعاية الاجتماعية
- ديون مستعصية على السداد بقيمة 44 مليار دولار
- الدين العام بلغ 90% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي
- العجز المالي بلغ نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد
- تراجع قيمة العملة المحلية (بيزو)
- زيادة شهرية في أسعار السلع
- انخفاض الأجور إلى 146 ألف بيزو (400 دولار) شهريا
- ارتفاع قيم الإيجار بشكل غير مسبوق.
الآن يبدو منطقيا لما الحديث عن الأرجنتين، الظروف الاقتصادية لدولة الأرجنتين متقاربة ومتشابهة مع الظروف الاقتصادية للدولة المصرية، تقريبا نفس التحديات الاقتصادية، إلى حد ما نفس التركيبة السكانية، نفس المعاناة التي استمرت لسنوات، نفس الرغبة في الخروج من عنق الزجاجة المظلم، بل إن الشبه يمتد للتاريخ أيضا (مع الفارق)، حيث أن الحضارات القديمة في الأرجنتين لها تأثير كبير على تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع الأرجنتيني المعاصر.
السؤال الحالي… ماذا فعل خافيير مايلي؟!
في خطاب إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية لم يحمل خافيير مايلي الورود لشعبه، لم يقدم لهم الأمل على طبق من ذهب، بل تطرق مباشرة إلى صلب القضية، تصريحات صادمة صرح بها مع بداية عهده بالرئاسة، “لا يوجد مجال للتدرج ولا مجال للفتور أو لأنصاف الحلول”، “اليوم تبدأ نهاية الانحطاط وتنطلق إعادة عملية إعمار الأرجنتين”، “انتهى النموذج الطبقي الفقير، واليوم نتبنى نموذج الحرية كي نصبح مجددا قوة عالمية. اليوم تنتهي طريقة مورست بها السياسة، وتبدأ طريقة أخرى”، و”التضخم والركود ونقص الوظائف الحقيقية وانعدام الأمن والفقر والبؤس. هذه مشاكل لن تحل إلا إذا تبنينا أفكار الحرية مرة أخرى”.
اليوم مر عام على تولي خافيير مايلي رئاسة الأرجنتين، مر عام على سياسة “المنشار” التي اتبعها، مر عام ولم يحقق وعوده الاقتصادية كاملة كما كان يخطط، إلا أنه تمكن من القضاء على العجز المالي، مر عام حظى فيه بإشادة كبيرة بسبب سياسته الاقتصادية الليبرالية المتطرفة لإصلاحها اقتصاد البلاد، وكذلك مر عام واجه فيه انتقادات حادة بسبب الآثار السلبية لهذه السياسة الاقتصادية على الجانب الاجتماعي.
الجانب المشرق من سياسة خافيير مايلي الاقتصادية:
- انخفاض معدلات التضخم من 25% شهريا عام 2023 إلى 3% شهريا عام 2024
- تحقيق فائض مالي 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي نهاية عام 2024، على خلاف العجز الكلي الذي بلغ 6.1% نهاية عام 2023، وهو الفائض الذي يحدث لأول مرة من 123 عام
- استفادة الشركات الكبرى بشكل كبير من التحرير الاقتصادي، خاصة شركات الطاقة والتعدين والبنية التحتية
- جذب استثمارات دولية كبرى مع خفض الضرائب والرسوم الجمركية بشرط ألا يقل الاستثمار عن 200 مليون جنيه
- خفض الإنفاق الحكومي
- تقليص الفرق في سعر الصرف بين البنوك والسوق السوداء
أما الجانب المظلم من سياسة خافيير مايلي الاقتصادية:
- إنهاء خدمة 40,000 موظف حكومي
- إنهاء خدمة 160 ألف عامل في القطاع الخاص، خاصة بعد تسهيل إجراءات فصل العمال
- تضرر أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة من تقليل الإنفاق العام
- خفض قيمة المعاشات التي يتقاضاها 65% من المتقاعدين، بنسبة 13%
- ارتفاع نسبة الفقر لأكثر من 50% من السكان
- ظهور عملات محلية (تشاتشو) موازية للعملة الرسمية (بيزو)، واستخدام الدولار في التعاملات اليومية (النموذج اللبناني)
ماذا بعد؟!
سياسات خافيير ميلي أثبتت فعاليتها في إنعاش الاقتصاد، لكنها خلّفت تحديات اجتماعية كبيرة، لذا يبقى السؤال الأساسي الذي يبدو وكأنه موجه لصناع القرار في مصر، هل يستطيع خافيير ميلي تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي؟ هل تسمع صرخات المواطنين الذين ذاقوا الأمرين أم سينظر للأرقام المجردة والمشاريع الموثقة والإحصائيات المعلنة؟!