في القرن السابع الميلادي كان يوجد في مصر تقريبا ألف قرية ومدينة (حيث لا توجد إحصاءات شاملة)، منها 607 فقط معروف اسمها في نهاية العصر الروماني، ومنها 327 فقط يعرف اسمها القديم وموضعها الجغرافي بدقة، ومنها 34 فقط يوجد عنها معلومات كافية من أحداث وشخصيات من واقع الآثار والبرديات (وهي العواصم التاريخية مثل منف وطيبة والإسكندرية .. إلخ).
ويشمل ذلك كافة السجلات الفرعونية والرومانية والتاريخ الكنسي وما كتبه المؤرخون والأثريون وعلماء المصريات وما دونه العرب في كتاباتهم في أول عهدهم في مصر، ولدينا عدد من المدن المصرية المعاصرة ترجع في تاريخها إلى العصور القديمة وتحمل نفس اسمها القديم تقريبا مثل دمياط، طنطا، دمنهور، وشبين الكوم، لكن لا يوجد لها أي تاريخ مدون قبل العصور الإسلامية ولا أي وصف لمعالمها الجغرافية أو حياة سكانها.
أما في العصور الإسلامية فهناك اهتمام شديد بالتدوين والإحصاء حيث يمكننا معرفة تاريخ إنشاء عدد من المدن والقرى بالتقريب، وبعضها معروف بالسنة واليوم أحيانا مثل الفسطاط، المحلة الكبرى، القاهرة، المنصورة، برج البرلس، ديرب نجم، حوش عيسى، ميت عقبة، وبولاق الدكرور، فضلا عن كتابات الرحالة الذين وصفوا البلاد جغرافيا وسكانيا وكتاب السير الذاتية الذين كتبوا عن كبار الأعيان والتجار والشيوخ.
وفي أول إحصاء شامل في العصور الإسلامية (الروك الصلاحي) في القرن السادس الهجري، كانت عدد البلدات المصرية 2071 منها 1541 في الدلتا و530 في الصعيد، وذكرت جميعها بالاسم سواء القرى القديمة أو التي بناها العرب، في كتاب قوانين الدواوين، واللافت للنظر أن الصعيد بكامله من بر الجيزة حتى جنادل أسوان كان يضم فقط خمسمائة قرية (أي بواقع خمسين قرية لكل محافظة من محافظات الصعيد الحالية).
وفي إجراء أكثر دقة جاءت إحصاءات الروك الناصري في القرن الثامن الهجري، حيث ذكرت كافة القرى وتوابعها ومساحة زمامها ومقدار خراجها واسم صاحب الإقطاع ومقدار ما فيها من أوقاف، وبلغت البلدات المصرية وقتها 2480 منها 1739 في الدلتا و741 في الصعيد، وجمعها ابن الجيعان في كتاب التحفة السنية، وأي قرية لا يوجد اسمها في هذا الإحصاء فهي قد تأسست بعد هذا التاريخ سواء في الدلتا أو الصعيد.
وجاءت دفاتر التربيع العثماني في القرن العاشر لترسم صورة التطور العمراني حيث تم تسجيل المساحات والأسماء وكافة بيانات القرى والولايات التي بلغت وقتها 2917 قرية منها 1725 في الدلتا و1192 في الصعيد، وفيها تضاعفت قرى الصعيد بسبب توطين القبائل العربية بينما كانت الزيادة في الدلتا محدودة، وفي أول عهد محمد علي بلغت القرى 3073 منها 1856 في الدلتا و1217 في الصعيد.
وفي عهد محمد سعيد باشا بلغت القرى 3554 منها في الدلتا 2156 و1398 في الصعيد، بعد ذلك كانت الزيادات في العصور الحديثة محدودة، وبالتالي ليس من المقبول اختراع تاريخ وهمي للقرى والبلدات المصرية والبحث عن تاريخ قديم لكل قرية وهو الأمر المخالف للحقيقة سواء كان فرعونيا أو إسلاميا، وليس معنى أن قرية جديدة تأسست جوار قرية قديمة أن ينسب لها تاريخها لتوافق أهواءنا وقناعاتنا وقراءتنا المحدودة للتاريخ.