مقالات

الخلفية الإجتماعية لـ خالد محيي الدين وتأثيراتها عليه

أ/ كامل السيد، خبير التأمينات الاجتماعية والمعاشات

خالد محيي الدين، ابن أسرة ثرية من أثرياء الريف، حيث كان جده الأكبر، محيي الدين فؤاد عامر عطا الله، الذي وُلد عام 1840 تقريبًا، يحمل اسمًا مركبًا ويتمتع بتميُّز وبراعة بين أشقائه. كان محيي الدين مزارعًا وتاجرًا بارعًا يعرف كيف يحقق أرباحًا كبيرة من زراعة القطن، كما كان صاحب رؤية وقدرة على دراسة تحولات السوق. وفي وقت معين، تخلى عن زراعة القطن لصالح زراعة أشجار الفواكه، وامتلك 1500 فدان من الحدائق. كان تاجرًا ماهرًا جمع ثروة ضخمة وامتلك أراضي زراعية كثيرة.

قرر محيي الدين فؤاد تعليم أبنائه السبعة عشر، ذكورًا وإناثًا، تعليمًا جيدًا، وأرسل ثلاثة منهم إلى إنجلترا للدراسة، من بينهم أمين محيي الدين، والد خالد محيي الدين، لدراسة الهندسة، إلا أنه لم ينجح في الحصول على الشهادة. حصل محيي الدين فؤاد على البكوية ومنصب العمدة من الخديوي عباس، وانتُخب في مجلس النواب، حيث جمع بين الثروة والذكاء والعلم والنفوذ. ولم يكن متجاوبًا مع أوامر قوات الاحتلال، ولم يُعرف عن عائلة محيي الدين أنها تقربت من أي حاكم (أمير أو ملك أو سلطان) للحصول على الأرض أو المال كغيرها من العائلات.

كانت عائلة محيي الدين وفدية واهتمت بتعليم أبنائها تعليمًا جيدًا. ولم تُعرف هذه العائلة في قرية كفر شكر (التي أصبحت مدينة في 21 مايو 1970 بقرار من جمال عبد الناصر بناءً على دور خالد محيي الدين) بأنها عاملت الفلاحين العاملين في أراضيها كأنهم عبيد. نشأ خالد محيي الدين متأثرًا بعدة عوامل، منها:

  1. التربية الصوفية:
    • الزهد: تربى على الزهد في السلطة، لذا تخلى عن رئاسة حزب التجمع طواعية، كأول رئيس حزب مصري يفعل ذلك وفقًا للمادة 8 من اللائحة الداخلية.
    • محبة الآخرين والتضحية من أجلهم: كان محبًا للجميع ويتيح للرأي الآخر حرية التعبير، وكان يعتبر الخلاف في الرأي ليس عداوة. كانت الديمقراطية قضية محورية في حياته، وأُطلق عليه “فارس الديمقراطية”. كان يتوسط دائمًا لتقديم الخدمات، سواء للمؤيدين أو المعارضين، وخصص أغلب وقته لخدمة أهل دائرته.
    • شدة العبادة: أدى فريضة الحج واعتمر عدة مرات قبل عودة الأحزاب في 1976. كان اشتراكيًا بمرجعية ماركسية لكنه تمسك بقيم دينه، وكان يرفض الجوانب الفلسفية من النظرية الماركسية. أصر على وجود أمانة الشؤون الدينية في حزب التجمع اليساري رغم معارضة البعض، مقتنعًا بأنه لا تناقض بين محبة الله ومحبة العباد.
    • تربية النفس والسمو بها: لم يندمج في الحركة الشيوعية بالكامل، لكنه تثقف ذاتيًا وتأثر بالمستشار أحمد فؤاد وخالد فوزي. كان يدعو إلى وحدة اليسار ويرى فيه وجهًا مضيئًا للثقافة.
  2. تأثيره الريفي:
    • كان خالد محيي الدين يحضر إلى قريته كفر شكر ويلعب الكرة الشراب مع أبناء الفلاحين، مما أزال الفوارق الطبقية. كان والده، الحاج أمين محيي الدين، يساعد الفقراء والمحتاجين. وبعد وفاة والده، استمر إخوة خالد في هذه المساعدات نيابةً عن والدهم.
    • كان خالد يتسم بالكرم، يطعم حراسه الشخصيين مما يأكل، ويخصص دخله من مجلس الشعب للفقراء.
    • ارتدى الجلباب والعباءة أثناء زيارته لأهل دائرته، وفضل ذلك على ارتداء البدلة والكرافتة.
  3. الأخلاق والمبادئ:
    • كان خالد محيي الدين خلوقًا وصادقًا، ولم يُعرف عنه الكذب أو النفاق. في إحدى المرات، رفض نشر صور مخلة لمنافسه الانتخابي في جريدة “الأهالي”، قائلًا: “لا يمكن أن أسعى للنجاح بتشويه منافسي.”
    • خلال أزمة مارس 1954، رفض انقلاب سلاح الفرسان لتحقيق الديمقراطية، متمسكًا بمبادئه النبيلة.

تميز خالد محيي الدين بتسامحه ومواقفه النبيلة التي أكسبته احترام الجميع، حتى ممن اختلفوا معه فكريًا. لم ييأس يومًا ولم ينقل اليأس للآخرين. تأثرت مواقفه وصوفيته بنزوعه نحو الاشتراكية ودعمه للفقراء، مما جعله نموذجًا سياسيًا وأخلاقيًا نادرًا في المشهد المصري.

 

مصطفى الطبجي

مصطفى الطبجي، كاتب صحفي في موقع برلمان مصر، وله العديد من المؤلفات والأوراق البحثية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى